مكانة المرأة قبل الإسلام وبعده

لقد شهدت مكانة المرأة في المجتمعات العربية تغيّرات جذرية بين حقبتي ما قبل الإسلام وبعده، حيث كانت الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية تعكس هذا التباين الكبير في النظرة إلى المرأة وحقوقها ومكانتها في المجتمع. إن دراسة مكانة المرأة قبل الإسلام وبعده تعد من المواضيع الهامة التي تسلط الضوء على تحولات اجتماعية عميقة أثرت على بنية المجتمعات العربية والإسلامية، وعلى تطور حقوق الإنسان في هذه المنطقة.

وضع المرأة في الجاهلية: واقع مُظلم ومحدود

قبل ظهور الإسلام، عاشت المرأة في المجتمعات العربية في حالة من التهميش والاضطهاد الذي انعكس على كافة جوانب حياتها. كان النظام الاجتماعي في تلك الفترة يعتمد على تقاليد وعادات قبلية تقيد حرية المرأة وتحرمها من الحقوق الأساسية التي هي من صميم إنسانيتها.

المعاناة الاجتماعية

في العصر الجاهلي، كانت المرأة تعاني من وضع اجتماعي متدني، وكانت تُعتبر في كثير من الأحيان مجرد سلعة أو ملك لأسرتها أو زوجها. لم تكن لها حقوق قانونية تذكر، وغالبًا ما كانت تُورث وتُباع، وقد وصل الحال في بعض القبائل إلى دفن البنات أحياء خشية العار أو لإزالة عبء الإنفاق على العائلة، وهو ما يطلق عليه عادة “الولادة المهملة”.

غياب الحقوق الأساسية

كانت للمرأة في الجاهلية حقوق ضئيلة جدًا أو معدومة في الميراث، فالرجال غالبًا ما كانوا يرثون حصصًا أكبر، أو كان يحرَم النساء من الإرث كله أحيانًا. إضافة إلى ذلك، لم يكن للمرأة حق التصرف في نفسها أو ممتلكاتها بشكل مستقل، وكانت تُعامل كمجرد تابع لرجل من رجال الأسرة.

الزواج والطلاق

كانت عقود الزواج تتم غالبًا بدون موافقة المرأة، وكان من الشائع تزويجها قسرًا أو بيعها. كما أن للمرأة في الجاهلية حقوق ضعيفة في حالة الطلاق، إذ يمكن للرجل أن يطلق زوجته بلا أسباب أو تعويضات، بينما كانت المرأة محرومة من هذا الحق.

الموروث الثقافي والاجتماعي

كانت المجتمعات الجاهلية تهيمن عليها ثقافة الرجولة القبلية التي تكرس التمييز بين الجنسين، ويظهر ذلك في القصائد والأمثال والحكايات التي تسخر من المرأة أو تقلل من شأنها، كما أن دور المرأة في المناسبات الاجتماعية كان محدودًا، وكانت محصورة داخل نطاق العائلة فقط.

تغيرات جذرية مع ظهور الإسلام

مع بزوغ فجر الإسلام وظهور الدعوة النبوية، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ حقوق المرأة ومكانتها الاجتماعية. جاء الإسلام برسالة شاملة تمزج بين الحقوق والواجبات، وأكد على كرامة الإنسان وحقوقه، بما في ذلك المرأة، في إطار تكاملي ومنصف بعيدًا عن التمييز الجاهلي القديم.

كرامة المرأة في الإسلام

الإسلام أكد على أن المرأة إنسان له كرامة وحقوق تحفظها وتحميها من الظلم. يقول الله تعالى في كتابه الكريم:

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ (سورة الإسراء: 70)

والمرأة من بني آدم، وبالتالي فهي مكرمة بطبيعتها.

الحقوق الاجتماعية والإنسانية

أعطى الإسلام المرأة حقوقًا كانت منعدمة أو معدومة في الجاهلية، منها حق الإرث، حيث شرع نظامًا عادلاً يوزع الإرث بين الرجال والنساء وفق ضوابط دقيقة تحقق التوازن بين الجنسين. كما منحها الحق في التصرف في نفسها وأموالها، وحررها من التبعية المطلقة للرجل.

الزواج والطلاق

حدد الإسلام نظامًا شرعيًا لعقود الزواج يقوم على القبول والتراضي بين الطرفين، وفرض شروطًا تحفظ حقوق المرأة، منها المهر الذي هو حق مالي لها. كما منحها حق الطلاق في حالات محددة، ووضّح الإجراءات اللازمة لتحقيق العدالة بين الزوجين.

التعليم والتربية

شجع الإسلام على تعليم المرأة وتثقيفها، ورفع من شأنها بتأكيد أن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة. هذا الأمر غير كثيرًا من نظرة المجتمع للمرأة، إذ أصبحت المشاركة في العلوم والمعارف ممكنة ومرغوبة.

المرأة في الحياة العامة

سمح الإسلام للمرأة بالمشاركة في الحياة العامة والدينية والاجتماعية، حيث برزت نماذج نسائية مؤثرة في التاريخ الإسلامي، مثل خديجة بنت خويلد، زوجة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعائشة رضي الله عنها، التي كانت فقيهة ومحدثة عظيمة.

مقارنة مكانة المرأة قبل وبعد الإسلام

أمثلة من التاريخ الإسلامي على مكانة المرأة

أثبتت العديد من النساء المسلمات في العصر الإسلامي الأول كيف أن الدين منح المرأة مكانة رفيعة وأكد على دورها الفاعل في المجتمع، ومن أبرز هذه الأمثلة:

• خديجة بنت خويلد: كانت تاجرة ناجحة، وهي أول من آمن برسالة النبي محمد، وكانت سندًا له في بداية الدعوة.

• عائشة بنت أبي بكر: فقيهة ومحدثة نقلت الكثير من أحاديث النبي، وكانت مرجعًا في الفقه الإسلامي.

• فاطمة الزهراء: بنت النبي محمد، كانت نموذجًا للمرأة المسلمة المتدينة والفاعلة في بيتها ومجتمعها.

• أسماء بنت أبي بكر: شاركت في دعم الهجرة، وكانت من النساء المتمكنات اقتصاديًا وفكريًا.

أثر التشريع الإسلامي في تحسين وضع المرأة

لم يكن تحول مكانة المرأة مجرد تغيير سطحي، بل كان ثورة اجتماعية وثقافية تشكلت عبر التشريعات الإسلامية التي أكدت حقوقها وحمايتها، وكان لذلك تأثير عميق في جميع مناحي الحياة، حيث أدى إلى:

• الحد من العنف ضد المرأة، وخاصة ممارسة دفن البنات وأشكال التمييز الأخرى.

• رفع مستوى تعليم المرأة ومشاركتها في الحياة العلمية والدينية.

• حماية المرأة ماليًا واجتماعيًا من خلال الميراث والمهر والحقوق الزوجية.

• مساهمة المرأة في الحياة العامة، فكانت تشارك في البيعة والفتوحات والتربية والتعليم.

الخاتمة

إن المقارنة بين مكانة المرأة قبل الإسلام وبعده تظهر بوضوح حجم التطور الذي طرأ على وضعها الاجتماعي والقانوني والإنساني. فقد انتقلت المرأة من حالة التهميش والقهر إلى حالة من الكرامة والحقوق المتكاملة، ليس فقط على المستوى الفردي بل على مستوى المجتمع كله. هذا التحول الكبير يمثل أحد الإنجازات الحضارية الكبرى التي جاء بها الإسلام، والتي ما زالت تؤثر في حياة المرأة حتى اليوم، وتُعد من أبرز مظاهر العدالة الاجتماعية في التاريخ الإسلامي.

المراجع

1. القرآن الكريم

2. الطبري، تاريخ الأمم والملوك

3. الشافعي، الأم في الفقه الإسلامي

4. محمد عبد الله دراز، مكانة المرأة في الإسلام

هذا المقال يقدم رؤية شاملة وعميقة عن التحول الذي حصل في مكانة المرأة، ويبرز الدور الفعال للإسلام في تحقيق ذلك التغيير العظيم.